recent
آخر الأخبار

المحاضرة الخامسة في مادة مقاصد الشريعة دة.هاجر جميل

الحمد لله رب العالمين والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد :

تتمة أهمية علم المقاصد:

الفائدة 10:
 مقاصد الشريعة أدلة دالة على أحكام التشريع .
يقول اﻹمام الغزالي :  ونحن نجعل المصلحة تارة علما للحكم ونجعل الحكم الأخرى علما لها .اهـ
معنى نصه كما  يقول الدكتور الريسوني : أن مقاصد الشارع تتخذ دليلا على الحكم مثلما يتخذ الحكم دليلا على مقصود الشارع وهذا يستلزم معرفة المجتهد لمقاصد الشريعة . اهــ
وقريب من هذا  التقرير نجده عند الدكتور علال الفاسي يقول فيه :  إن مقاصد الشريعة هي المرجع الأبدي لاستيقاء ما يتوقف عليه التشريع والقضاء في الفقه الاسلامي وأنها ليست مصدرا خارجيا عن الشرع الاسلامي ولكنها من صميمه وليست غامضة غموض القانون الطبيعي الذي لا يُعرف له حدود ولا مورد وأن المقاصد تؤثر حتى على ما هو منصوص عليه عند الاقتضاء . اهـ

ومعنى القولين أن مقاصد الشريعة أدلة شرعية تُستقى منها الأحكام الشرعية فهي دالة عليها, وقد يكون من المثير أن يدعي الأستاذ علال الفاسي أن المقاصد تؤثر حتى على ما هو  منصوص  عليه عند الاقتضاء كما قال , والحق أن مقالته هاته تحمل من الخطورة ما يستدعي  البيان وإلا فهي مُشوشة على من يعتقد يقينا أن المنصوص مُقدم في جميع الحالات وهو اعتقادنا جميعا , لكنه رحمه الله يقصد  كما بين هو , أن الضرورة التي تعتبرها الشريعة تنتهي أحيانا إلى إظهار المخالفة للمنصوص كما حصل في زمن الصحابة رضوان الله عليهم حين أوقف عمر رضي الله عنه حد السرقة عام المجاعة لعلمه يقينا أن الحد إنما قُصد وضع  عقوبة للمعتدين , والمضطر ضرورة حقيقة ليس معتديا , وقد أعذر الله سبحانه وتعالى المضطرين وهاهنا تنبيهان ينبغي استصحابهما  حين النظر في هذا الكلام الذي سيتخذه ذريعة كثير من أدعياء الاجتهاد القاصدين إلى التحلل من أحكام التشريع.

الأول : مقصود الأستاذ علال الفاسي أن المنصوص الخاص قد يُخالَف بمقاصد الشريعة  التي أيدتها نصوص أعم ,و المعنى أن مخالفة وتوقف عمر رضي الله عنه عن إعمال حد السرقة ليس تحكما في الشريعة وتعطيلا لحكم من احكامها , وإنما هو إعمال بالموازاة بين هذا الحكم المنصوص عليه وهو حكم جزئي وبين الأحكام المنصوص عليها التي ترقى إلى الحكم الكلي وهي التي تعتبِر الضرورة وتراعِي واقع الناس ومصالحهم وما يطرأ لهم من المفاسد.

الثاني : أن هذه الملاحظة وهذا التصرف بالاجتهاد في مثل هذه المقامات لا ينبغي  فتح بابه إلا لمن استكمل أدوات الاجتهاد وكان من أهله وخاصته ويكفي أن يدل على محدودية وضيق حيز مثل هذا الحكم الذي نص عليه الأستاذ أنه قيده بقوله : عند الاقتضاء , والاقتضاء يحتمل الضرورة  ويحتمل وجود المجتهد المقتدر على ملاحظة الضرورة والخبرة بواقع الناس مع القدرة على الموازنة بين كليات الشريعة وجزئياتها .

الفائدة 11:
مقاصد الشريعة سبب لتحصيل رتبة الاجتهاد والانتساب ﻷهل التفقه في اﻷحكام .
يقول اﻹمام الشاطبي :  فإذا بلغ اﻹنسان مبلغا فهم عن الشارع فيه قصده في كل مسألة من مسائل الشريعة وفي كل باب من أبوابها , فقد حصل له وصف هو السبب في تنزيله منزلة الخليفة للنبي صلى الله عليه وسلم في التعليم والفتيا والحكم بما أراده الله . اهـ
وممن أكد هذا اﻷمر ودل عليه الشيخ ابن عاشور إذ بين أن مقاصد الشريعة باب من ابواب تجديد نظر الفقهي والخروج به إلى مضايق الجمود .

يقول الطاهر بن عاشور  : كان إهمال المقاصد سبباً في جمودٍ كبيرٍ للفقهاء ومعولاً لنقض أحكام نافعة، وأشأم ما نشأ عنه مسألة الحيل، التي ولع بها الفقهاء بين مكثر ومُقِلّ .اهـ
وقريب من هذا القول ماجاء في مقالة للأستاذ علال الفاسي وفيها : وإنّ في ثلة الفقهاء المجدّدين على قلّتهم ضمانا للسير بالفقه الإسلامي إلى شاطئ النجاة حتى يصبح مرتبطا بمقاصد الشريعة وأدلّتها، ومتمتّعا بالتطبيق في محاكم المسلمين وبلدانهم .اهـ
ومن موجبات هذا الارتباط بين مقاصد الشريعة والاجتهاد   , أن الاجتهاد مظنة للخطأ والزلل والمقاصد سبب لحفظ الاجتهاد من ذلك لقدرته على الملاءمة بين النص والواقع وبين الكلي والجزئي وبين المصالح والمفاسد .

يقول الشاطبي : فزلة العالم أكثر ما تكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشرع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه . اهـ
وقد زاد هذا الأمر بيانا حين حديثه عن صورة من صور الخلل في بعض المنتسبين للشريعة الذي تجده آخذا ببعض الجزئيات في هدم كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا راجع  رجوع الافتقار إليها ويُعين على هذا الجهل بمقاصد الشريعة وتوهم بلوغ مرتبة الاجتهاد.

الفائدة  12  :
 
مقاصد الشريعة تعين الفقيه على مواكبة المستجدات واستيعاب فقه الواقع واستشراق المستقبل لقدرته على ملاحظة المعاني التي راعتها الشريعة وربطها بالغايات الشرعية في أفعال المكلفين مع القدرة على الموازنة بين خاصيتي الثبات والمرونة في أحكام الشريعة , ولذلك قيل  والفقه الاسلامي الذي  ندعوا ونعمل لأجل تجديده وتقويته وبعث صفاءه وحيوته وربطه بمقاصد الشريعة وكلياتها هو من أفضل الضمانات لإيجاد ضوابط شرعية لحياة اسلامية معاصرة .

يقول الريسوني  : ومن المجالات الاجتهادية التي يتوقف فيها نظر المجتهد وتقديره على معرفة المقاصد والخبرة لها, مجال الاجتهاد المصلحي , وأعني به الاجتهاد في الحالات والنازلات  التي ليس فيها نص خاص يعتمد أو يقاس عليه , فيكون المعول فيها على المصلحة والتقدير المصلحي فها هنا يحتاج المجتهد أن يكون على دراسة واسعة بمقاصد الشرع والمقاصد المعتبرة عنده , وعلى دراسة بمراتبها وأولوياتها , وبسبل الترجيح الصحيح عند تزاحهما وتعارضها. اهـ

ومن أمثلة ذلك : النوازل المستجدة في الأمور الطبية كطفل الأنبوب والاستنساخ والحليب والمني وفي الأمور المالية كالسندات والأسهم.

الفائدة 13:
مقاصد الشريعة أصل من أصول تدبير الخلاف وتحقيق اﻹنصاف بين أهله نصرة للحق ووقوفا مع القول الصواب
يقول الطاهر بن عاشور عن فائدة مقاصد الشريعة التي أملاها في كتابه : لأنها ستكون نبراسا للمتفقهين في الدين ومرجعا بينهم عند اختلاف اﻷنظار وتبدل اﻷعصار وتوسلا إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء اﻷمصار ودربة ﻷتباعهم على اﻹنصاف في ترجيح بعض اﻷقوال على بعض عند تطاير شرر الخلاف حتى يستتب بذلك ما أردناه غير  ما مرة في نبد التعصب والفيئة إلى الحق .اهـ

صلة المقاصد ببعض المفاهيم والادلة :
إن التعرف على المقاصد اقترح في أكثر من مناسبة مفاهيم تكاد تكون مرادفة أو قريبة أو شبيه في المفهوم والدلالة , ولابد أن هذا مثير للسؤال عن حقيقة العلاقة بينها وجدور التقارب بين المقاصد وغيرها من المفاهيم من مثل المصلحة والحكمة والعلة والمناسبة وسج الذرائع بل إن التعرف  على المقاصد يستصحب السؤال عن طبيعة العلاقة بينها وبين غيرها من الأدلة خاصة وأنْ ذكرنا أنَّ المقاصد جزء من علم أصول الفقه وأن علماء الأصول قصدوا إلى تداول جملة من موضوعات علم المقاصد .
فما العلاقة بين عدد من الأدلة الأصولية المعبرة عن علم أصول الفقه وبين علم المقاصد ؟
وهذا السؤال سنُشير إليه بصيغة أخرى أكثر دقة في التعبير عن الغاية في هذه المحاضرة .
ما صلة المقاصد بالأدلة الشرعية والقياس والمصلحة المرسلة والاستحسان والعرف ؟

وأول موضوعات هذه المحاضرة ستهتم بقضية صلة المقاصد ببعض المفاهيم المقاربة لها وأكثرها ترددا , المصلحة.
إذا علمنا أن الشريعة في كلياتها إنما جاءت لجلب المصلحة ودرء المفسدة وأن الأصل في التكاليف الشرعية أن تقوم على رعاية مصلحة العباد في دينهم ودنياهم , والاستعمال يخلط بين المقصِد والمصلحة لبيان وجوه التقارب والافتراق بينها في الاصطلاح.

أ-  تعريف المصلحة لغة  :
الصاد واللام والحاء أصل واحد يدل على خلاف الفساد , يُقال صلُح الشيء يصلح صلاحا ويُقال صلَح بالفتح وأصلح أتى بالصلاح وهو الخير والصواب , وفي الأمر مصلحة أي خير , وأصلح الدابة أحسن إليها فصلَحت.
وإذا تتبعنا معاجم اللغة نجد أن للمصلحة إطلاقين , إطلاقا حقيقا وإطلاقا مجازيا

الإطلاق الأول : انها تُطلق ويُراد منها الفعل الذي فيه صلاح بمعنى النفع , وهذا إطلاق مجازي من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب , كما يطلق على الأعمال أنها مصالح مثل طلب العلم فإنه مصلحة لأن العلم سبب للمنفعة المعنوية , وكما يُقال في الزراعة والتجارة إنهما مصلحة لأنهما للمنافع المادية , وإذا كانت المصلحة بهذا المعنى فإنها ضد المفسدة لأنهما ضدان لا يجتمعان كما جاء ذلك في القاموس المحيط : الصلاح ضد الفساد.

الإطلاق الثاني :  أن المصلحة كالمنفعة لفظا ومعنا , وهذا إطلاق حقيقي كما جاء في المعجم الوسيط : المصلحة الصلاح والنفع , وصلُح صلاحا وصُلوحا زال عند الفساد , وصلَح الشيء كانا نافعا أو مناسبا , فالمصلحة إذا أُطلقت على ما يتعاطاه الإنسان من الأعمال الجالبة للنفع كان الإطلاق مجازيا مُرسلا كالزراعة المؤدية إلى حصول المطعومات والتجارة المؤدية إلى الربح ,وإن أُطلقت على نفس المنفعة كان الإطلاق حقيقيا.


المحاضرة الخامسة على هذا الرابط :



المحاضرة الخامسة في مادة مقاصد الشريعة دة.هاجر جميل


إعداد : فريق عمل مدونة كلية الشريعة والقانون

أخيراً كان هذا موضوعنا لهذه التدوينة، ننتظر مشاركتنا برأيك حول الموضوع وبإقتراحاتك لنستفيد منها في المواضيع القادمة وإذا كان لديك أي سؤال أو استفسار لا تتردد في طرحه علينا سوف نكون سعداء دائماً بالرد عليك في أقرب وقت إن شاء الله تعالى .

 تحياتي ومودتي ولاتنس الصلاة على النبي 
google-playkhamsatmostaqltradent