بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن
والاه أما بعد :
فإن
القصد سيتجه في هذا الفصل إلى ممارسة علم من العلوم الشرعية التي كثر نفعها وعظم
خطر الجهل بها إذ به تتمايز حقوق العباد ويعرف كل واحد ماله من الممتلكات والأموال
إن كان مما له حظ في تركة ميت هلك عن أهل وعيال فالواجب على المكلف أن يقف على ماحد
له عند شرع الله وعلم الفرائض والمواريث إنما نزل لتحقيق هدا الغرض وتحصيل هدا
الأمر والأصل في تطلبه أن الله واضع لأصوله متَوَل بعمله وحكمته ببيان كثير من
التفصيلات فقال سبحانه بعد دكر بعض منها :تلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
(14) سورة النساء
فالفرائض
حدود الله والمنتهي عندها كفائز بجنة عرضها السموات والارض والمتجاوز عنها مستحق
للخلود في عذاب النار ونحن نتدارس هذا العلم فإننا لنرجو أن نكون من الفائزين
بالجنان فتخرج من حد الجهل إلى العلم بشرع الله فقال تعالى : يبين الله لكم أن
تضلوا والله بكل شيء عليم وحيث انتهى بنا الحديث إلى هذا القول وجب علينا أن نعرف
أن الموجود من الضلالة والجهالة ماكان أيام الجاهلية وهم يمنعون الصغار والنساء ذكورا
وإناثا من الإرث بحجة أنهم لايركبون فرسا ولايحملون كلا ولايلقون عدوا فأنزل الله
برحمته وعدله قوله تعالى :لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وسبب
نزول هده الآية كما ذكر الواحدي في أسباب النزول نقلا عن المفسرين أن أوس بن ثابت
الانصاري، توفي وترك
امرأة يُقال لها أم ُ كحّة وثلاث بنات له منها، فقام رجلان هما ابن عم الميت
ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة، فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئاً، وكانوا
في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكراً ويقولون: لا يعطى إلا من
قاتل على ظهور الخيل وطاعن بالرمح وضارب بالسيف وحاز الغنيمة، فذكرت أم كحة ذلك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله ولدها لا يركب فرساً،
ولا يحمل كلا ً، ولا ينكأ عدواً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انصرفا حتى
أنظر ما يحدث الله لي فيهنّ )، فأنزل الله هذه الآية :لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌوهذه الرواية وإن كان في إسنادها ضعف إلا أن
المفسرين تلقوها بالقبول في الاعتماد على تفسير الآية وقريب منها ما رواه الواحدي
في تفسيره قوله :يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ " مع بعض الاختلاف الذي يجعل الظن مترددا بين
أمرين :
أولهما :أن القصة واحدة ووقع
الوهم والاختلاف في الاسم وهكذا فهم ابن عاشرون والزمخشري قبله .
ثانيا : إما أن
القصة حدثت مع امرأتين فهما قصتان وسببان وهذا محتمل وعلى أي في هذه الرواية أن
المرأة التي سألت عن حق ابنتهما هي زوج سعد بن الربيع على الراجح والذي أخذ حقهما
هو أبو سعد بن الربيع فلما أرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجواب إلى أن يوحى
إليه نزل قوله تعالى : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ " فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله وهو راوي هذه الرواية ادع لي المرأة وصاحبها فقال لعمهما أعطهما
الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك.وهذه الرواية وإن صححها الحاكم والترمذي إلا
أن مدارها على عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف ونحن إذ نذكرها والتي قبلها إنما
نذكرها استئناسا ومتابعة للمفسرين وإن ثبت ضعفها أيضا ,والقصد من هذه الرواية
والايات أن ندفع مايذكره اليوم بعض المعترضين جهالة في الارث وهم يزعمون أنه ظلم
المرأة ولم يعدل بينها وبين الرجل فكيف لهم أن يقدرو خطورة هدا الحكم وهو يتناسون
أن الاسلام أكرم المرأة وأمدها بحقها بعد أن لم يكن .
يقول ابن عاشور : وقد كان
قوله تعالى : { وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ
وَالأَقْرَبُونَ
} أوّل إعطاء لحقّ الإرث للنساء في العرب
.
ولو تريث هؤلاء والتجؤو إلى علم المواريث لنطقوا بالحق وقالو إن
المرأة أخذت
حقها بقدر ماتحتاج إليه بل إنها أحيانا تفوق في المقدار حظ الرجل على وجه العدل
حقائق :
الحقيقة
الاولى : أن الله منشئ هذا العلم إذ بين بعلمه وحكمته
تقسيم هذا العلم كله ولم يترك مسألة إلا وبينها إما تصريحا أو بالإشارة.
الحقيقة الثانية :
أن التأصيل لعلم الفرائض سيكون من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية .
قال البغوي : اعلم أن الوراثة كانت في الجاهلية بالذكورة
والقوة فكانو يورثون الرجال دون النساء والصبيان فأبطل الله ذلك كله بقوله :لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ
مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ
الآية
الأولى : "
لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا
تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ "
سورة النساء الآية : 7
الآية
الثانية : "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ
مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ"
سورة النساء الآية : 11
الآية
الثالثة : "وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ" سورة النساء الآية 12 :
الآية
الرابعة : "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ
"
سورة النساء الآية : 176
أما
الأحاديث المؤصلة لعلم الفرائض فكثيرة ويمكن أن نضيف الذي ذكرنا في أسباب النزول ,
ما اتفق عليه البخاري ومسلم وهو عام في غير الأصول والفروع والإخوة, عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلْحِقُوا
الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومن
الاحاديث المؤصلة ما اتفق عليه الامامين البخاري ومسلم رواية أبي هريرة رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :أَنَا أَوْلَى النَّاسِ
بِالْمُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ
دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَادْعُونِي فَأَنَا وَلِيُّهُ ، وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ
مَالاً فَلْيُؤْثَرْ بِمَالِهِ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانَ .وهو بيان لمصير مال الميت من المسلمين وأنه لورثته
وعصبته,يقول القرطبي في شرحه : يعني إذا لم يكن معه ذو سهم أو فضل شيء من
ذوي السهام وراية من رواه فهو لورثته اتقن .
ومما يحسن أن نختم به هذا التأصيل , أبيات لابن عطية :
علم الفرائض علم لا نظير له *** يكفيك أن قد تولى قَسْمَهُ الله
وبيَّنَ الحَظَّ تبيانا لوارثـــــــه ***فقال سبحانه يوصيكم الله
وفي الكلالة فتيا الله منزله ***فبان تشريف ما أفتى به الله
وبيَّنَ الحَظَّ تبيانا لوارثـــــــه ***فقال سبحانه يوصيكم الله
وفي الكلالة فتيا الله منزله ***فبان تشريف ما أفتى به الله
إعداد : دة. هاجر جميل
أخيراً كان هذا موضوعنا لهذه التدوينة، ننتظر مشاركتنا برأيك حول الموضوع وبإقتراحاتك لنستفيد منها في المواضيع القادمة وإذا كان لديك أي سؤال أو استفسار لا تتردد في طرحه علينا سوف نكون سعداء دائماً بالرد عليك في أقرب وقت إن شاء الله تعالى .
تحياتي ومودتي ولاتنس الصلاة على النبي ﷺ